05 - 05 - 2025

صباحيات | سؤال لأبي عبيدة.. ما هي المعادلات التي تغيرت؟

صباحيات | سؤال لأبي عبيدة.. ما هي المعادلات التي تغيرت؟

خرج علينا أبو عبيدة، المتحدث باسم "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس بعد بدء تنفيذ المرحلة الأولى لاتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل أمس الأحد، في أول تصريح له منذ السابع من أكتوبر الماضي حين أدلى بتصريح في ذكرى مرور عام على هجوم طوفان الأقصى، بتصريح يُعلن فيه أن "طوفان الأقصى غير المعادلات". اكتسب أبو عبيدة شعبية كبيرة منذ الهجوم في أكتوبر 2023، من خلال بيانات أذيعت عبر الإعلام العسكري التابع لحركة حماس وغيرها من الفصائل في محور المقاومة، وعبر قناة الجزيرة القطرية، وهي التصريحات التي لعبت دوراً مهما في الحرب النفسية ورفع معنويات المقاتلين والقطاعات الواسعة من الجماهير العربية التي صدمتها مشاهد التدمير والقتل والتهجير التي تعرض لها المدنيون الفلسطينيون في غزة، فهذه التصريحات كانت تعطي الجماهير الأمل في نصر وشيك. بالتأكيد، إن معاني النصر والهزيمة في مثل هذه الصراعات الممتدة، تختلف عن معنى النصر والهزيمة في الحروب النظامية، التي تحسم حين يلحق بالجيش المهزم تدميراً يصعب معه مواصلة القتال، فيعلن الاستسلام لشروط الجيش المنتصر، في المعركة. بالتأكيد، إن رفض الدولة والشعب الذي خسر جيشها المعركة للهزيمة وسعيهما لتغيير ما ترتب عليها من نتائج بمختلف الوسائل، بما المقاومة المسلحة والاستعداد لجولة جديدة، تجعل الانتصار غير حاسم.

الأمر مختلف تماماً في ذلك النوع من حروب المقاومة الشعبية، التي يخوض فيها جيش نظامي معركة مع قوات غير نظامية تقاتل من أجل مقاومة المحتل، مدعومة بتأييد شعب مستعد للتضحية من أجل التحرر، والمسألة تكون أكثر تعقيداً مع هذا النمط من الاحتلال الاستيطاني على غرار الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين أو في نموذج جنوب أفريقيا، والذي لا يكون فيه الاحتلال احتلالاً عسكرياً فقط، وإنما يكون بنية اجتماعية متكاملة تدافع عن وجودها بقوة السلاح وتسعى لكسب شرعية لوجودها كدولة تدافع عن "شعب". في مثل هذه الحروب، يكون من الصعب الحديث عن نصر مبين أو عن هزيمة ساحقة. إن المشهد الذي نابعته الجماهير العريضة في العالم العربي وفي العالم عبر شاشات التلفزيون في غزة أمس يؤكد ما توقعه الدكتور جمال عبد الجواد في ندوة نظمتها في حزب المحافظين قبل عام أو يزيد حول الحرب في غزة، والتي عقدت بعد انهيار اتفاق الهدنة الأول في نوفمبر 2023، واستئناف القتال في غزة.

قال الدكتور جمال عبد الجواد إنه بعد توقف القتال في غزة ستبقى إسرائيل وستبقى حماس في الأمد المنظور الذي قد يمتد لعشر سنوات. لم ينل هذا التصريح استحسان متحدثين آخرين شاركوا في الندوة، ولم يلق أيضاً استحسان الجمهور المتحمس الذي يتمنى زوال إسرائيل والذي يعتقد أنه تخوض معركتها الأخيرة. وبالتأكيد، إن مثل هذا الحديث لن يروق لبنيامين نتنياهو ولا الشركاء الأكثر تطرفاً في حكومته الرافضين لوقف الحرب قبل تحقيق الهدف النهائي الذي يسعون إليه، وهو القضاء على حماس وتصفية القضية الفلسطينية، من خلال تصفية الوجود الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية، بزعم سعيهم إلى القضاء على مصادر التهديد مواصلة الحرب ضد "الإرهابيين" أو ضد "الهمج" الذين يهددون الحضارة. على الرغم من عدم وضوح ما إذا كنا بصدد هدنة طويلة الأمد نسبية، أم هدنة قصيرة يتم استئناف القتال بعدها في غزة، مع استمراره في الضفة الغربية، واستهداف من يمكن استهدافهم من مقاتلي المقاومة الفلسطينية بفصائلها المختلفة وقياداتهم عبر الاغتيالات، والاستفادة من دعم دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الذي يستعد لشغل مهام منصبه رسمياً مساء اليوم، لقيام حكومة نتنياهو بما يجب عليها أن تفعله بالرغم من اتفاق الهدنة ومبادلة المخطوفين بفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وحديث المسؤولين الإسرائيليين عن مراقبة لصيقة للفلسطينيين المفرج عنهم لمنع عودتهم لممارسة "الإرهاب"، والذي قد يعني عمليات تصفية محتملة لبعض المفرج عنهم الذي يستشعرون أنه قد يشكل خطرا ما. 

نعود لبيان أبو عبيدة الذي أعلن التزام حماس وفصائل المقاومة الأخرى باتفاق وقف إطلاق النار واستعدادهم "لتنفيذ بنوده والالتزام بشروطه، من حيث وقف القتال، والالتزام بالجدول الزمني لعملية التبادل، وتأمين أسرى العدو وصولا لتسليمهم مقابل أسرى" فلسطينيين وفي جميع مراحل الاتفاق، مشيراً إلى أن ذلك الالتزام "مرهون بالتزام من قبل العدو". وحمَّل جميع الأطراف المشاركة في ترتيب هذا الاتفاق المسؤولية عن أي انتهاكات قد ترتكبها إسرائيل لبنود الاتفاق، أو أي عمل يعرضه للخطر أو يؤثر على قدرة حماس على تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، مشيراً إلى أن مثل هذه الانتهاكات قد تؤثر على سلامة المخطوفين الذين لا يزالوا محتجزين في غزة. 

يُمكن فهم تصريح أبو عبيدة في سياق سعي حماس لتأمين مقاتليها الذين ظهروا مسلحين على شاحنات صغيرة في قطاع غزة، وهم يشرفون على عملية تسليم الدفعة الأولى التي ضمت ثلاث مخطوفات إلى مندوبي الصليب الأحمر الدولي، تمهيدا لتسليمهم إلى الجيش الإسرائيلي عبر الحدود مع قطاع غزة، وتأمين قوات وزارة الداخلية التابعة لحماس في غزة والتي أعلنت الحركة أنهم سينتشرون في المناطق التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي ويشرفون على توزيع المساعدات التي ستدخل قطاع غزة بموجب الاتفاق، وعلى عودة النازحين إلى ما تبقى من مدنهم وبلداتهم وبيوتهم في شمال ووسط القطاع. لكن لم يوضح أبو عبيدة كيف ستتعامل حماس مع بقاء القوات الإسرائيلية في محور صلاح الدين (فيلادلفيا) وفي محيط مدينة رفح في جنوب القطاع، وماذا سيكون ردها على استهداف أي فلسطيني من المفرج عنهم، ولن نتحدث عن موقف الحركة من استمرار استهداف مقاتلين في بلدات ومدن الضفة الغربية؟

وبعيداً عن احتفالات حماس وأنصارها بخروج المقاومة الفلسطينية منتصرة بعد التوصل إلى هذه الهدنة المؤقتة والتي لا تزال محفوفة بمخاطر، واعتقادهم الذي لا يستند إلى أساس تعاقدي باستمرار الهدنة وتوقف الحرب، والذي يقابله إعلان إسرائيلي واضح بعدم تحقيق أي من الأهداف المعلنة التي يسعون لتحقيقها وأن الجيش قد يستأنف القتال إلى حين تحقيق الهدف النهائي للحرب وهي التصريحات التي تفرض قيودا على أي تفكير في خطط إعادة الإعمار أو في مستقبل القطاع بعد انتهاء الحرب، التي لم يعلن أي طرف بعد أنه تم التوصل إلى اتفاق واضح بشأن وقفها. 

بالنسبة لإسرائيل، فإن هذه الحرب قد تتوقف إذا تحققت ثلاثة شروط: الأول، هو عودة جميع المخطوفين أحياء أو أموات، والثاني هو القضاء على قدرة حماس العسكرية على تكرار أي هجوم على غرار هجوم السابع من أكتوبر 2023، وأخيرا الاتفاق على صيغة لإدارة قطاع غزة لا تسمح لحماس بأن يكون لها وضع مماثل لما كان قبل السابع من أكتوبر. وتدرك إسرائيل وكذلك السلطة الفلسطينية والوسطاء الإقليميين والدوليين صعوبة تحقيق الهدف الثالث، وكذلك الصعوبات التي تحول دون تحقيق الهدف الثاني، وليس واضحاً ما هي الشروط العملية التي ستعتبر حماس عندها أن الحرب توقفت، رغم إعلانها شروطا من بين انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وأن يكون لها دور محوري في إدارة القطاع وفي عملية إعادة الإعمار. ومن غير الواضح كذلك الشروط التي قد يفرضها المانحون الدوليون، خصوصاً في ظل تكلفة إعادة الإعمار التي تشير تقديرات أولية بأنها قد تصل إلى 80 مليار دولار.

ما أشبه الليلة بالبارحة

الحقيقة ان المعادلة تغيرت بالفعل، لكن ليس في مصلحة حماس او في مصلحة محور المقاومة، في المدى المنظور على الأقل، وقد تثبت الأيام القادمة أن الآمال التي يعلقها البعض على صيغة جديدة قد يفرضها الرئيس ترامب، قد تعني استئناف جدول الأعمال الذي لم يكمله في عام 2020، والذي استكملت إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن جانباً منه. صحيح أن صفقة القرن انتهت وماتت، لكنها ماتت قبل سنوات من هجوم طوفان الأقصى ولم يتبق منها سوى الاتفاقيات الإبراهيمية المتوقع استئنافها بوتيرة أسرع، لإنجاز اتفاق تطبيع بين إسرائيل ودول عربية أخرى على أساس صيغة السلام مقابل السلام وعلى حساب القضية الفلسطينية.

قد تعلن الحكومة الإسرائيلية ضم بعض المناطق في الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً في المنطقة (ج) المحيطة بالقدس، بشكل نهائي إلى إسرائيل، وترحيل السكان الفلسطينيين منها إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية أو بفتح أبواب الهجرة للخارج لهم على مصراعيها عبر تقديم إغراءات، يقابلها تضييق سبل العيش والتنقل أمامهم في مناطقهم، عبر سياسات تتبعها إسرائيل منذ سنوات وهي مسجلة وموثقة في تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة التابع للأمم المتحدة، وفي انتهاك صارخ للقانون الدولي ولقرارات محكمة العدل الدولية. والخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين للتعامل مع هذه السياسات محدودة للأسف ولا يوجد دعم عربي أو دولي قادر على وقفها والضغط من أجل إيجاد تسوية عادلة تقوم على أساس إنهاء الاحتلال، ولا توجد قوى إسرائيلية ضاغطة في هذا الاتجاه مثلما كان الحال قبل عشرين عاماً.

في ظل هذا الوضع، تبدو تصريحات السيد أبو عبيدة أو غيره من قادة حماس أو تصريحات سياسيين وقادة رأي مناصرين لهم في العالم العربي، عن تغير المعادلات في الصراع نكتة سخيفة، أو أنها تعبر عن واقع مرير إذا ما اتبعت بعبارة "لصالح إسرائيل وسياساتها العدوانية". 

إن معضلة مستقبل الوضع في غزة لا تعاني فقط من فقر في الفكر الإسرائيلي بشأن الحل السياسي، وإنما تعاني أيضاً من فقر في الفكر الفلسطيني والعربي، لا يعوضه سوى البدء في التفكير في بناء حركة للتحرر الوطني مغايرة تماماً لتصورات فتح او حماس للتحرر الوطني الفلسطيني، وأن هذا التفكير يبدأ بإنهاء تجزئة الشعب الفلسطيني ما بين الشتات والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل الإسرائيلي، فالقضية باقية طالما بقي الشعب الفلسطيني صامداً والخطوة الأولى لحلها هي الشروع في عملية لتوحيد صفوفه.
---------------------------
بقلم: أشرف راضي

  

مقالات اخرى للكاتب

صباحيات | عندما تغيب دولة القانون والمواطنة .. حق ياسين والذهنية الطائفية البغيضة